فإمّا أن يحرما عن الوجود ، أو يفيض لهما الوجود خلاق الوجود ، أفليست هذه الزوجية في كل شيء ، هي التي دلتنا على الحاجة الذاتية في كل شيء؟ الى م؟ هل كل إلى مثيله؟ والفقر مع الفقر لا يزداد إلا فقرا! أم إلى غير مثيله؟ فهو الله تعالى شأنه الذي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)! (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) : فرار العاقل المتذكر ، من اللاشيء إلى من خلق كلّ شيء لا من شيء ، من الفقر المحض إلى الغنى المطلقة ، من الكائنات ـ كل الكائنات ـ التي هي أزواج ، ولا أقل من زوجين ، إلى الواحد الأحد الفرد الصمد ممن لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياتا ولا نشورا ، إلى من بيده ناصية كل شيء.
ترى هل توجد غنى ذاتية في أيّ شيء ، والزوجية آية الحاجة في كل شيء؟ سواء أكانت في المادة الأمّ حيث الزوجان هما كيانها كأم في أصل كونها! وإذ لم يكن إفاضة الوجود من كل للآخر لمكان استحالتين فهي بحاجة ماهوية إلى ما وراءها من كائن ليس زوجين وهو الله الفرد الأحد.
هنا لك استحالة أولى هي علية اللاشيء ، فإن كلا من الزوجين مستقلا عن الآخر ليس شيئا ، واستحالة ثانية هي لزوم تقدم الشيء على نفسه لو اعتبرنا كلا منهما شيئا ، أن يكون الشيء علة لما هو معلول له ، فحال كون أحد الجزئين علة للآخر يجب تقدمه عليه ، وحال كونه معلولا له يجب تأخره عنه ، ولزامه تقدم وتأخر شيء عن آخر ، والنتيجة تقدم الشيء على نفسه وتأخره عنه! هذا هو الفقر الذاتي في المادة الأم ، وبأحرى في مواليدها ، فالشحنة في كيانها الخاص بحاجة إلى ازدواجية ما ، وكذلك الذرة ، والجزئي ، ومختلف العناصر.
فأي باب ندق من كائنات العالم نسمع صرخات الفقر والعدم من ذواتها ، فإلى من هي مفتقرة إلا إلى الغني المطلق؟ (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)؟