لقد كانت البشرية تزعم أن العناصر الأربعة بسائط ، إلى أن كشفت النقاب عما دونها من جزئيات ، ثم عن ذرات انهتها حتى الآن إلى زهاء ١٠٦ ذرة ، زاعمة أنها بسيطة : أجزاء لا تتجزى ، وأقل تراكيبها هما الشحنتان : الموجبة البروتونية ، والسالبة الإلكترونية ، ثم ظهرت على أجزاء أخرى لها كالنيوترون والبوزيترون ، واستطاعت أن تفتح القلاع الذرية بمدفعيات جبارة علمية ، فتجزئها إلى شيء من أجزائها ، وتبديل عناصر إلى أخرى بقذف القلاع الذرية في نواتها ، وقد سماها العلماء بالكيمياء النواتي.
فالبشرية على ضوء العلم والجهود الجبارة استطاعت حتى الآن أن تعرف تراكيب وأزواجا فيما لم يكن بحسبان : (مِمَّا لا يَعْلَمُونَ) ولكن هل للإنسان أيا كان ، وكيفما تقدم في العلوم ، أن يعرف حقيقة المادة الأم فضلا عن زوجيها؟ من المؤكد أنها (مِمَّا لا يَعْلَمُونَ) نهائيا ، فإن المادة الأم هي ملكوت المادة ، مما يختص علمه بالخلاق العليم.
إن الذي يستحق اسم الشيء ، المحكوم عليه بازواجية الكيان ، ليس إلّا المادة الأم ، وبأحرى مواليدها الذرات بأجزائها ، والجزئيات ، وسائر العناصر ، وأما الزوجان للمادة الأم ، فهما معا شيء وأم الأشياء ، وأما كل واحد منهما مستقلا عن الآخر في واقعه فليس شيئا حتى يحمل زوجين أم سواه ، اللهم إلّا في تصور مبهم في أعلى صروح العقل ، أما في الواقع الخارجي فليس بالإمكان كونه ولا كيانه إلا مع زميله التوأم ، كما يخلقان معا هوية وزمنا ، ويعدمان كذلك مع بعض.
وإذا سئلنا : ما هي حقيقة كلّ منفصلا عن الآخر؟ فالجواب أن لا حقيقة إلا الخيال! .. وإذا كان عدما ، فكيف بالإمكان أن يتحصل من توأمين عادمين كائن مادي يحمل زوجين كائنين؟ فالجواب : أنهما معا خلقا لا من شيء ، لا من شيء كان قبلهما ، لا من اللاشيء ، وإنما : لا من شيء ، فكل منهما إذا