ولو لا العلم لم تكن حكمة ونظام في هذا الخلق الحكيم ، ولو لا هما فلا هما فلا خلق فضلا عن هذا الخلق القويم الحكيم ، وآيات العزة والعلم والخبرة واللطف والحكمة نقرءها ليل نهار في هذا الخلق العظيم.
فسواء أكان هذا السؤال عن المشركين المقرين بالله ذي العرش ، أم عن الماديين الناكرين الله ، حيث الخلق وإتقانه دليل لا مرد له على خالق أتقنه ، فالفطرة تجيب : (خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) والعقل يجيب والعلم (خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) وحتى المجانين يعرفون أن العزة والعلم هما لزام الخلق وأي صنع.
كلّ من له أدنى شعور لا ينسب هذا الخلق ـ بما فيه هذه العقول البارعة ـ إلى مادة غير ذات شعور ، فلو أن العجز والجهل يأتيان بما لا يقدر عليه فطاحل العلماء ونوابغ المخترعين ، فلنحاول في تحصيل العجز والجهل أم لا نحاول في تحصيل العلم والقدرة ، بغية أن نقدر على ما تقدر عليه المادة العاجزة الجاهلة! فليكن الخالق أيا كان أعز وأعلم من كل ما خلق وهو (الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ).
ثم يأتي دور الخطوة الثالثة (لَيَقُولُنَّ اللهُ)(١) يقوله المشركون المعترفون بالله ، وليقله الماديون الناكرون الله.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٠).
إن جعل الأرض مهدا بعد ما كانت شموسا محكومة بحراكات
__________________
(١) كنص الآية نفسها في ٢٩ : ٢٥ و ٣٨ واضافة «وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» (٢٩ : ٦١) «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها ..» (٢٩ : ٦٣) «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ ..» (٤٣ : ٨٧).
فهذه الآيات الست في سورتي الزخرف والعنكبوت.