٤٩)(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) (٣٧ : ٧١) ، وإن كانت تعني أحيانا من قبلكم وقبل الأوسطين : (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٢٦ : ٢٦) فحين تعني الأولين أولية الرسالة والمرسل إليهم فالآخرون هم المسلمون ، لمحة لطيفة إلى أن الرسالات كلها تقدمات وتهيئات لهذه الرسالة الأخيرة السامية ، لا شأن لها إلا أوليتها وأنها تعبّد طريق هذه الأخيرة.
(وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ) رسالة تترى دونما انقطاع (فِي الْأَوَّلِينَ) : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (٢٣ : ٤٤) سنة دائبة في تواتر الرسالات رغم تواتر التكذيبات دون أن يضرب عنهم الذكر صفحا أن كانوا مسرفين!
(ما يَأْتِيهِمْ) هؤلاء المناكيد الأوغاد (مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وهم أولاء المترفون : (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) (٣٤ : ٣٤) ومن ثم المستضعفون ، والرسالات الإلهية تحارب المستكبرين وتؤوي المستضعفين :
(فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً) أشد منهم بينهم (١) وأشد منكم (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) مضيا في واقعه حيث الهلاك الواقع ، ومضيا في إنباءه حيث الإنباءات الماضية منذ بزوغ وحي القرآن ، ومضيا في إمضاءه ككل إنباء لكم ، حيث الإنباءات تترى طول نزول القرآن ، ومضيا في تحقيقه بينكم : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (٨٤ : ١٩) سنن من كان قبلكم حذوا النعل بالنعل والقذة بالقذة.
__________________
(١) ف «هم» يعنيهما ، أشد منهم بينهم وأشد من هؤلاء الموجودين زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).