غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٣٩ : ٢٨).
أترى لو نزل القرآن بغير هذه اللغة ما كان يعقل أو يتقى ، فإنما يتقى ما يعقل ، ويعقل ويقبل الظاهر دلالة ، الموافق للعقل والفطرة والمصلحة مدلولا.
فكم من عبارة عربية لا تعقل فلا تقبل ، وكم من أعجمية تعقل فتقبل ، ولكنما القرآن جمع بين عربية اللغة وعربية اللسان وعربية البيان وعربية الحقائق التي يتقبلها العقل والفطرة ، ويصدقها الواقع ، فهو حكم عربي في كافة المجالات. و «لعلّ» هنا في موقف ترجّي العقل عن القرآن ، لا أن الله يترجى ، وإنما العالمون المكلفون بشرعة القرآن ، فمنهم من يعقله ومنهم من لا يعقله ، فالقرآن في نفسه بيان لا عوج فيه ، فيه رجاء عقلكم أن تأخذوا حقائقه ، لا إثبات في عقله مطلق ولا سلب عن عقله مطلق ، وإنما هو عوان ، يعقل لمن يعقله ويعقل عنه ، ولا يعقل لمن لا يعقله ولا يعقل عنه (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً).
(وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)(٤).
الكتاب هنا كتاب العلم المحيط من تشريع وتكوين ، يحوي كتابات التشريع ومطلق التكوين ، والقرآن موقفه في أم الكتاب «علي حكيم».
و «لدينا» هنا تعني : انه لدينا ـ في أم الكتاب لدينا ، إنه في ميزان الله ، في أم الكتاب لدى الله «علي حكيم» ، «علي» على سائر الكتب السماوية وهي دونه ، كما هو علي عن أن تناله الأفهام قبل نزوله وحتى للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف بمن دونه!.
«حكيم» من أن يتدخل فيه الأوهام ، حكيم من النسخ والتحريف ،