أترى ما هو الكتاب المبين؟ إن له حسب القرآن مصاديق ثلاثة ، أعلاها أمّ الكتاب لدى الله (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) كما هنا و (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ)(١) كما في الدخان أم ماذا .. وأدناها القرآن المفصل : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) (٥ : ١٥) (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (٣٦ : ٦٩) وأوسطها القرآن المحكم النازل في ليلة مباركة على قلب الرسول محمد (ص) (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) (٤٤ : ٢) (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (٩٧ : ١).
فقد يعني الكتاب المبين هنا أم الكتاب فجعله قرآنا عربيا جعل ثان بعد إنزاله في ليلة القدر ، أو يعني النازل فيها فجعله جعل أول ، وقد يلوح من (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) أنه الكتاب المبين الأوسط ، وهنا يلوح «حم» خطابا ل (احمد ـ محمد) قسما بالكتاب المبين الذي أنزلناه عليك في ليلة مباركة (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) إذ لم يكن قبله بمحكمه النازل فيها لا قرآنا : يقرأ بألفاظ ، ولا عربيا : لائحا لغير الرسول (ص) ، ولقد كان قبل النزول الأول : المحكم (فِي
__________________
(١). فان ضمير الغائب المفرد في «أنزلناه» راجع الى القرآن قبل الانزال لا بعده حيث الجمع بين حالتي النزول وقبله محال ، ف «ه» يعني ام الكتاب والله تعالى أنزله من عل الربوبية إلى دنو العبودية حتى تلقاه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بصورة محكمة ، ومن ثم نزل هذا المنزل آيات مفصلات لعلهم يعقلون.
وقد يحتمل ان الضمير راجع الى الحالة الحاضرة لدى الجميع وهو القرآن المفصل وان كان أنزل وأدنى من المنزل ليلة القدر ، فهناك حالة قبل الانزال في ام الكتاب ، وحالة الانزال في ليلة القدر وحالة التنزيل في الكتاب المفصل والحقيقة واحدة ، الا ان للكتاب الام فضله حيث الآخران من ولده ، فانه علم الله المحيط بكل شيء ، وللكتاب للحكم فضله على المفصل بإحكامه وانه يشمل ما يختص بالرسول نفسه ، وهذا المختص بارز في الحروف المقطعة التي هي مفاتيح كنوز القرآن ، اضافة الى علم التأويل الخارج عن دلالة التنزيل ، فهنا اختصاصان للرسول من القرآن.