خفي مغبّة الّا يدخلوها وهم داخلون ولا يجترءون أن يمتلئوا عيونهم بها فيخفون طرفهم كيلا يروها وهم إليها داخلون ، فإن نظرهم نظر المخالف الذليل والمرتاب الظنين ، فهو لا ينظر إلا مسترقا ولا يغضي إلا مشفقا ، من عظيم الخيفة وتوقع العقوبة.
هنالك تتهاوى كبريائهم إلى هوات النار ، إياسا من خلاص مع كل لهفة وانهيار ، منكّسي الرؤوس والأبصار إلى جهنم يصلونها وبئس القرار.
وترى كيف لهم بصر حتى ينظروا من طرف خفي وهم عمي : (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (٢٠ : ١٢٤) علّه لأن آية العرض تعنيه قبل الحشر في سكرة الموت ، وفي البرزخ ، أو يسمح له أن ينظر من طرف خفي يوم القيامة عذابا فوق العذاب ، لفترة ، كما يحشر أعمى عذابا فوق العذاب ، أو أن حشرهم عميا لا يعني إلا حشرهم ولفترة ، وأما ان يضلوا عميا فلا وكما و (نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) (١٧ : ٩٧) ولو كانوا بكما وصما دوما فكيف التخاصم : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (٣٨ : ٦٨) (قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ. تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٦ : ٩٦) (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)(٣٩ : ٣١).
(وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا) إذ هم يعرضون على الجنة ناظرين إلى أهل النار ومنهم أصحاب الأعراف (إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) إذ ضلوا (وَأَهْلِيهِمْ) إذ أضلوهم خسروا أنفسهم وإياهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ).
وهذه مقالة الرسول يرددها المؤمنون به يوم القيامة (.. قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (٣٩ : ١٥) فقولهم يوم الأخرى تأويل لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الدنيا.