يفسد حيث لا يتحمله المؤمن لإيمانه كأن يفترى عليه وهو يسكت ، ظلما بنفسه ، أم سكوتا عن حقه وحق الغير إذ يسكت ، ظلما ذا بعدين ، فالانتصار إذا من صفات الإيمان ، كما الغفر حين يصلح من صفات الإيمان.
آيات ثلاث تأمر بالانتصار بعد الظلم ، هذه والتي بعدها : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ..) وفي الشعراء (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧) وكما الله ينتصر لهم إلا ابتلاء (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) (٤٧ : ٤) (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (٣٠ : ٤٧).
ويا لها من آية مكية تتبنّى الإنتصار في البغي والمؤمنون في مكة ما كانوا يستطيعونه أبدا ، فهي ذات دلالة لصفة أساسية في المؤمنين : عدم التصبّر على الظلم والتخاذل أمام الظالم حسب المستطاع ، وإن كانت هناك في مكة فترة مقتضية للتصبر ، ولكنها متقضّية بعد ردح قصير ، ثم المؤمنون لا يتصبرون.
لقد كانت هناك اعتبارات في العهد المكي تقتضي سياسة المسالمة والصبر ، مع تقرير الطابع الإسلامي غير الاستسلامي لهم : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ).
فالانتصار البنّاء ، صدا عن تفشي الظلم يتبناه الإسلام كأصل من أصول الحياة الإيمانية ، سواء كان البغي عليك أم سواك أم على جمهرة أو جماهير من المسلمين ، لأن أنفس المسلمين نفس واحدة بعضها من بعض ، فلم يقل «والذي إذا أصابه البغي هو ينتصر» وإنما (أَصابَهُمُ .. يَنْتَصِرُونَ) لتشمل الجميع والمجموعة ، أن ينتصر المؤمن لمظلوم غيره كما