ليست هنالك ـ وفي دار المحنة وتناسل الذرية ـ رحمة خالصة دون تعب وشغب ، فحين تعيش مع الله ، راضيا بمرضاة الله ، ملتزما طاعة الله ، فلا عليك أن يضيق سائر الرزق ، وتخشن سائر الحياة ، ويشوك المضجع ، فانه حياة الرحمة والراحة ، حيث تعيش أصل الرحمة.
وحين يعكس الأمر حيث تفقد الزلفى الى الله ، فكل رحمة سواه نقمة وزحمة ، إذ ليست فيها طمأنينة : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)!
من الخليقة من يعيش الرحمتين : ظاهرة وباطنة ، ومنهم من يحرمهما فوا ويلاه! ومنهم من يعيش الروحية ويحرم الظاهرية ، ومنهم عكسها ، وقد يفضل الثالثة على الأولى حيث الأجر على قدر المشقة (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) وكما نرى السابقين الأقربين من عباد الله محرومين ـ في الأكثر ـ عن النعم الظاهرية ، وقليل من هم ، المجموعة لهم ظاهرها الى باطنها (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)!
وإذ لا رحمة إلّا من الله فتحا وإمساكا ، فمن ذا نرجو إلّا الله؟ ومن ذا نخاف إلّا الله ، «ومن خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء»!
ثم (فَلا مُمْسِكَ لَها) كما (فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) تعني من دون الله ، وحين ان الرحمات كلها هي من الله وإرسالا وإمساكا ، فباحرى ان تكون رحمة الهداية بشرعة سواها ، منحصرة في الله ، منحسرة عمن سوى الله! فما يفتح من هدى فلا ممسك لها إلّا هو ، وما يمسك فلا مرسل له الا هو ، وقد أرسل رحمة الشرعة الاخيرة دون إمساك فهي باقية حتى القيامة الكبرى ويا لها من آية وحيدة ترسم للحياة صورة جديدة يسيرة مديدة ، لو استقرت في قلب الإنسان لصمد للأحداث كالطود الوطيد وتضاءلت امامه الأشخاص