(الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) (٦٦ : ١٢) وهي تفسر (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) (٢١ : ٩١) أن النفخ من روحنا فيها لم يكن إلّا في فرجها (١) وإضافة «نا» الإلهية فيهما لا تعني إلا تشريفا للنافخ والمنفوخ أنهما من الأرواح المشرفة التي خلقها ، كما في آدم (عليه السلام) (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (٣٨ : ٧٢) ثم في بنيه : (... وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) (٣٢ : ٩) وهذه الأرواح الاربعة : «روحنا» ـ «من روحنا» «من روحي» «من روحه» كلها من أمر الله لا من ذاته (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (١٧ : ٨٥) فانها تفسر الأرواح كلها أنها من أمر الله ، وليس أمر الله ذاته او من ذاته ، وإنما هو فعله المختلف عن ذاته بكل بينونة ذاتية وصفاتية ، مهما كان مفضلا على سائر الأرواح أماذا؟.
«وروحنا» المرسل لذلك النفخ ليس إلا الروح الأمين النازل بالوحي (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) (٢٦ : ١٩٣) والنازل بروح النبوة على رجالات الوحي : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ..) (١٦ : ٢) فهو النازل بروح المسيح وجسمه (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) (٤ : ١٧١) مهما كان النافخ في الحق هو الله (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) (٦٦ : ١٢).
ومهما كانت هذه الأرواح المضافة الى الله مفضلة على سائر الأرواح جملة ، ففيها التفاضل بينها كما بينها وبين سائرها ، ف «روحنا» يمتاز عن «روحي» كما «روحي» يمتاز عن «روحه» حضورا لجمعيته الصفات في أوّلها ، وحضورا دونها في ثانيها ، وغيابا مفردا في ثالثها ، كما وأن روح المسيح
__________________
(١) راجع ج ٢٨ الفرقان ص ٤٥١ ـ ٤٥٥ ـ تجد كيف النفخ والحمل؟.