كما أن هذه دلالة على أوليتها دون أب ليهتدي أولاء وهؤلاء فلا يخيّل إليهم أصل الأنواع ولا البنوة الإلهية ، وهذه الولادة بجنب ذلك خارقة لبيت إسرائيل الخارفة التي لا تحن إلى آية الهية خارقة ، اللهم إلّا جديدة محيرة كهذه ، رغم ان طائفة منهم اتخذوها فرية واخرى بنوة إلهية دون أية حجة إلّا أهواء مضللة!
يولد المسيح هكذا (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) مثالا للخلق الأوّل وخارقة للآخرين ، تدليلا على حرية وطلاقة القدرة الإلهية دون احتباس في النواميس التي قررها ف (اللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) حادثة واحدة لن تتكرر حيث انقطعت النبوة بعد محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولكي تبقى معلما بارزا أمام البشرية على حرية المشية الإلهية!.
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا)(١٦).
«مريم» لغة سريانية تعني الغالبة المرتفعة ، وعلّها لأنها غلبت شهوتها وأحصنت فرجها رغم جمالها وكثرة الراغبين إليها ، وغلبت على الولد الذي هوته أمها في قداستها وإنتاجها. وارتفعت عما افتروا عليها ، وعن أقرانها من نساء العالمين وقبل كل ذلك هي موهوبة الرب وقد «تقبلها (رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) (٣ : ٣٧) تقبلها مريم كما تسمت بما تعنيه من معانيها!.
وفي حين تذكر مريم خمسا وثلاثين مرة في القرآن بكل تبجيل وتجليل ، لا تذكر في الإنجيل إلّا خمسا بكل مهانة وتخجيل (١).
__________________
(١) وهي ١ : قصة فانا الجليل (يوحنا ٢ : ٣) ٢ : إذ أرادت ان تكلم ابنها وهو يعلم تلاميذه و (متى ١٢ : ٤٦) ومرقس ٣ : ٣١ ولوقا ٨ : ١٩ ٣ : عند صلبه (يوحنا ١٩ : ٢٦) ٤ : وفي الأيام الاولى بعد صعوده (يوحنا ١٤١ : ١٤) ٥ : عند ذكر ابنائها : يعقوب ، يوشي ، يهودا ، شمعون وعدة من بناتها (متى ١٣ : ٥٥ و ٢٧ : ٥٦ ومرقس ٦ : ٣ و ١٥ : ٤٠ و ٤٧. أقول لم يكن لها ولد الا المسيح حسب القرآن والحديث ويأتي توضيح موارد الاهانة بها في هذه الآيات.