نصرتان أوليان ، أفبعد ذلك يبقى خوف منهم وحزن ولا سيما لأبي بكر وهو غير ملاحق في ذلك المسرح ، ثم الملاحق الأصيل لا يحزن ، بل وينهى صاحبه عن الحزن معلّلا ب (إِنَّ اللهَ مَعَنا) معية الحفاظ على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أصالة ، والحفاظ على صاحبه في الغار على هامشه حيث الخطر الناجم هو عليهما ـ إذا ـ (١).
وليس هذا النهي متعطفا ـ فقط ـ عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)
__________________
ـ أفلت من انشوطة وكان رجلا داهية وعلم بما رأى أنه سيكون له نباء فقال : اكتب لي أمانا فكتب له وانصرف ، قال محمد بن إسحاق : أن أبا جهل قال في أمر سراقة أبياتا فأجابه سراقة نظما :
أبا حكم واللات لو كنت شاهدا |
|
لأمر جوادي أن تسيخ قوائمه |
عجبت ولم تشكك بأن محمدا |
|
نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه |
عليك فكف الناس عني فإنني |
|
أرى أمره يوما ستبدو معالمه |
أقول : وقصة سراقة مروية بعدة طرق ومنها ما في الدر المنثور من حديث أبي بكر في اتجاهه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الغار : فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا منهم إلا سراقة على فرس له فقلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : هذا الطلب قد لحقنا فقال : لا تحزن أن الله معنا حتى إذا دنا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت ، قال : لم تبكي؟ قلت : أما والله لا أبكي على نفسي ولكني أبكي عليك فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال : اللهم أكفناه بما شئت فساخت فرسه إلى بطنها في أرض صلد ووثب عنها وقال : يا محمد إن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه فو الله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فانك ستمر بابلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا حاجة لي فيها ودعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأطلق ورجع إلى أصحابه ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا معه حتى قدمنا المدينة ...
(١) ومن حزنه ما رأه كما رواه في الدر المنثور ٣ : ٢٤٠ أخرج أبو نعيم عن السماء بنت أبي بكر أن أبا بكر رأى رجلا مواجه الغار قال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه لرآنا ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : كلا إن الملائكة تستره الآن بأجنحتها فلم ينشب الرجل أن قعد يبول مستقبلهما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا أبا بكر لو كان يراك ما فعل هذا.