فيما زلّا ، وترى إن رؤية الشياطين وسائر الجن مستحيلة لقبيل الإنسان؟ وقد يرون منهم من نفذت بصيرته ، أم كان منهم في مسالكهم!.
هنا (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) لا تنفي أصل الرؤية ، فإنما تنفي حيث الضلالة ككل ، حيث يأتيكم شياطين الجن والإنس من حيث النصح وكما قال : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) مهما عرفوا حيث شخصه مهما قلت.
فالأكثرية المطلقة ممن يستنزله ويستضله الشياطين هم الأغفال الذين يستغفلون ، فيؤتون من حيث «لا يرونهم» قصورا عن تقصير ، ف «إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله ويتولى عليها رجال رجالا فلو أن الحق خلص لم يكن للباطل حجة ولو أن الباطل خلص لم يكن اختلاف ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أولياءه ونجى الله سبقت لهم من الله الحسنى» (١).
إذا ف «الشياطين» هنا يعم شياطين الإنس إلى شياطين الجن ، مهما كان عدم الرؤية في الآخرين يعم حيث الضلالة إلى رؤية أشخاصهم وهذا أضل وأشجى ، وترى (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ ..) يجعله تعالى سببا للإضلال؟ كلّا ، فإنه جعل تكويني وترك للحاجز بينهم وبين الذين لا يؤمنون ، دون دفع أو تحريض ، وهكذا (أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (١٩ : ٨٣) (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) (٤١ : ٢٥) واختيار المكلفين في دار البلية والاختبار من قضاياه هدى النجدين ، وفسح المجال لهما أمام العالمين : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) بفارق أن الله هادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) (٤٧ : ١٧).
وأما الذين ضلوا فيذرهم في طغيانهم يعمهون ، ويخلي بينهم وبين الشياطين يفعلون بهم ما يشاءون : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ).
__________________
(١) نهج البلاغة عن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السّلام).