علّه في تلك المقاسمة المكيدة حاول ليثبت أن ذلك النهي منسوخ حيث فلّ حرّاس الشجرة عما حولها بعد ما احتفوا بها ـ كما في الخبر ـ فقاسمهما أنني ناصح لكما بما نصح الله حيث نسخ النهي ، ودليلا عليه تفرق الحرّاس!
ولكن كيف يعتمد آدم على ذلك التفرق ولا ينسخ قاطع النص إلّا بقاطع النص وليس فليس ، فالقادر المعلوم في هذا المسرح أن آدم انغر بغرور الغرور حيث لم يكن يحسب أن أحدا من خلق الله يقسم كاذبا بالله ، إضافة إلى انجذابه إلى الشجرة إذ قد تخلده في دار الكرامة ، فعلّ ربه نهاه عنها سلبا عنه هذه الكرامة إذ لا يليق لها ، فقد اقترف عصيانا ، لا كفرا كما يغل ، ولا ترك الأولى كما قيل فيما غيل دون أي دليل.
إذا فاحتمال أن آدم إنما انغر بغرور الغرور ، قضية المقاسمة واحتمال أن نهيه عن الشجرة يعني نفيه عن الخلود في دار القرب والكرامة ، فرجح القرب رغم النهي عن البعد إذا انتهى ، فهي معصية غير كبيرة إذ لم تضمن تكبرا على الله ، ولا تعمدا في اقتراف نهي الله ، وإلّا لكان مصيره مصير الشيطان ، إنما هو عصيان ـ فقط ـ للتخلف عن النهي ، ويصغره أنه كان بين مقاسمة وأمل للبقاء في دار القرب والكرامة.
ذلك الاحتمال وارد لا مردّ له ، كما لا مردّ لأصل عصيانه تخلفا عن النهي الصارم الحارم إياه عن هذه الشجرة.
فلا إفراط ـ إذا ـ بحقه أنه أتى بعصيان كبير يقارب عصيان الشيطان ، ولا تفريط أنه ترك الأولى ، بل هو عوان بينهما لا حول عنه إلى أحدهما.
(فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ)(٢٢).
فيا ويلاه من ذلك الأوان ببداية العصيان من أبوينا الأولين ، حيث «أسكن سبحانه آدم دارا أرغد فيها عيشه ، وآمن فيها محلته ، وحذره