فمن المقطوع المحتوم أن الرسالة الربانية لم تكن مبتدأة من نوح (عليه السّلام) ولم تكن الفترة ـ ما كانت ـ إلّا رسولية ، لا رسالية ، وأهمها ما كانت بين المسيح ومحمد (عليهما السّلام) ، وعلّ من قبلهما ما كانت بين آدم وإدريس ، وبينه وبين نوح (عليهم السّلام) ، وكلها فترات رسالية فحسب (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (١٦٥ : ٤).
وحين تفسر ولاية العزم لرسل ـ فيما تفسر ـ بأنهم جاءوا بشرائع مستقلة غير تابعة لما قبلها ، فلتكن شرعة آدم (عليه السّلام) ـ لأقل تقدير ـ شرعة مستقلة ، إذ ما كان قبلها من شرعة لهذا النوع الأخير ، ولأن إدريس النبي كان أفضل من آدم (عليه السّلام) فقد يكون حاملا لشرعة مستقلة بعد آدم ، وإن في توسع لأحكام ، مهما لم ينسخ حكما من شرعة آدم (عليه السّلام).
فمن الجواب لذلك السؤال العضال ما أوردناه في سورة نوح (عليه السّلام) أن الرسل قبله جاءوا بشرعة لا تزيد على تصليح الأحكام العقلية والفطرية ، فهي ـ إذا ـ تحمل سلبية إزالة الحجب عن الفطر والعقول وإيجابية تنويرات لهما عن أخطاء فيهما ، إلّا أن الأحكام الفرعية لا مدخل فيها للفطريات والعقليات ، اللهم إلّا الفرعيات الثابتة في النواميس الخمسة التي لا حول عنها ، دون كيفيات خاصة لطقوس عبادية لا بد منها ، موقوفة على بيان الله.
ومنه أن هذه الشرائع قبل نوح ما كانت واسعة شاسعة الأطراف ، فإنما كانت تقضي حاجات بسيطة في البسيطة لساكنيها القلة القليلة ، فما كانت ـ إذا ـ تحسب أمام الشرائع الخمس في حساب شرعة ، كما وأن الرسل قبل نوح (عليه السّلام) ما كانوا أولي عزم كما كان أولوا العزم من