رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(٥٦).
إن في ترك دعاء الرب كما يصلح إفسادا في الأرض بعد إصلاحها ، حيث الإيمان الصالح بعمله يصلح الأرض ، وخلافه يفسدها ، وهنا (بَعْدَ إِصْلاحِها) تعم إصلاحها من الله ، إلى مصلحين بأمر الله ، وإليك أنت المفسد في الأرض بعد ما أصلحت فيها ، فمثلث الإصلاح هو هندسته الصالحة ، بما أن رأس الزاوية القاعدة هو الله ، وقد أصلح الله فطرنا وعقولنا والأرض التي نعيش عليها ، بما أصلحها الحياة سليمة صالحة في نبيها وبما بعث إلينا رسله وسائر الدعاة إليه ، وأصلح الرسل بما يحملون من رسالات الله ، وأصلح سائر الدعاة إلى الله ، وقد تجمع كافة الإصلاحات في المصلح الأخير رسوليا ورساليا وهما مجموعان في القرآن ، ففي تقرير القرآن في كافة الأوساط بكل تقريراته الربانية إصلاح للأرض كافل ، كما في تركه إفساد فيها قاحل ماحل.
(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) تعم زواياه كلّها ، ولكي نتزود باستمرارية هذه السلبية المصلحة (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) خوفا من قصوراتنا وتقصيراتنا ، وأن يكون دعاءنا غير صالح أو لغير صالح ، وطمعا في رحمة الله ، وهذا من الإحسان في الدعاء أن يكون بين الخوف والرجاء : رغبا ورهبا ، خوفا وطمعا ، (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) فدونهم أولاء الأكارم من المسيئين.
ذلك وأصلح المصلحين في الأرض برسالة الله هو الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ف «إن الأرض كانت فاسدة فأصلحها الله عز وجل بنبيه» (١) فهو أفضل مصلح رسولي فيها ، ثم سائر المصلحين
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٤١ في روضة الكافي باسناده إلى ميسر عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قلت : قول الله عزّ وجلّ (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) قال فقال يا ميسر : إن الأرض ..