(وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) ، فان ضرر المكر راجع ـ أولا ـ إلى أنفسهم دون رادع ، ثم الله رادع مكرهم عن المؤمنين الصالحين ، مهما لم يردع عمن «زاغوا فأزاغ الله قلوبهم» فإنهم من ذاك النمط.
ذلك و (أَكابِرَ مُجْرِمِيها) تحلّق على كافة الكبراء والمستكبرين بدولة الحال أو دولة المال ، والحاصلين على أية وسيلة من وسائل الاستكبار الاستعمار الاستثمار الاستحمار ، والاستبداد الاستخفاف الاستضعاف ، الأبواب السبع الجهنمية المفتحة من قبل الأكابر على سائر الناس.
وهنا «أكابر» مفعول ثان ل «جعلنا» والأول هو «مجرميها» ان «جعلنا مجرميها أكابر» حيث الاسم الأوّل هو في الأصل مبتدء فليكن معرفا.
ولأن الإجرام ليس إلّا على قدر الكبر ، فذلك الجعل يعني انه تعالى لم يمنع الأكابر عن اجرامهم الكبير (لِيَمْكُرُوا فِيها) كما يستطيعون حتى يخلص الغث من السمين والخائن من الأمين (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ).
وقد تعني اللام في «ليمكروا» العاقبة العاقبة لذلك الجعل اتوماتيكيا ، دون ان يريده الله توفيقا لهم في مكرهم ، كما لم يرد اجرامهم اللهم إلّا عدم الصد عما يفعلون ، فهي ك (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (٢٨ : ٨) في قصة أخذ موسى من اليم ، إذ لم يقصدوا منه إلّا خيرا : (لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٢٨ : ٩) أم هي غاية لهم مقصودة ، ف (جَعَلْنا ... لِيَمْكُرُوا) تعني ـ إذا ـ ما صددناهم عن مكرهم (لِيَمْكُرُوا فِيها) مخيرين غير مسيرين.
ذلك واكبر الاجرام ما إذا جمع ثالوث الذرايع اليه والدوافع له من دولة المال ودولة الحال والعلم بمختلف الأحوال ولا سيما ظاهرة علم الدين ،