(وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) فمكة أم القرى في أصل التكوين اعتبارا بالكعبة المباركة حيث دحيت الأرض من تحتها ومكّت ، فكلّ القرى طارئة عليها وهي أمها ومخها ، فقد اشتقت «مكة» من تمككت العظم أخرجت مخه ، فهي مخ الأرض وأصلها ومنشؤها ، كما وأنها أوّل بيت وضع للناس : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ).
ذلك وكما أن الأرض هي أم الكرات كلها بمعنى سبقها عليها في خلقها فصبغها بسابغ المكان والمكانة لأصول المكلفين بين العالمين كما فصلت هذه السابقة السابغة في فصلت.
فهي أم القرى الرسالية في الكون كله ، أعم مما هي أم القرى الأرضية ، تحليقا لواجهتها الروحية الرسالية على مكانات الرسالات كلها أرضية وسماوية.
فلأن «القرى» في حقل الإنذار في القرى الرسالية ، وانها جمع محلي باللام وهو يفيد الاستغراق ، إذا فمستغرق القرى الرسالية ارضية وسماوية كلها تظل في ظل هذه الرسالة العالمية الكبرى دون إبقاء.
فلئن كان النص «مكة ومن حولها» لكان ظاهرا في الجزيرة العربية ، ولكنه (أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) ف «القرى» الشاملة لكافة المجتمعات المكلفة بالرسالات في الكون كله ، تفسّر «من حولها» بمن حول هذه العاصمة الرسالية العالمية.
فسعة «القرى» هي فسحة هذه الدعوة ، ولأن «القرى» لا تختص بما حول مكة حيث تشمل ما تسمى قرية في أرض أو في سماء ، ف «حولها» تعني نفس «القرى» ومكة أمها كلها ، دون مثل الطائف (١)
__________________
(١) في تفسير العياشي عن علي بن أسباط قال قلت لأبي جعفر عليهما السلام لم سمي ـ