(قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(١١٤) :
وقد بدل «ربك» هنا ب «ربنا» كما بدل الاستطاعة بواقع المستطاع «أنزل» ، وضمن دعاءه هذا الأديب الأريب سؤلات ثلاث لا تحمل من أسؤلتهم تلك إلّا (نَأْكُلَ مِنْها) بغيار التعبير : «وارزقنا».
ف (تَكُونُ لَنا عِيداً) كمفخرة في إجابة الدعاء أمام الغلاظ الشداد الألدّاء من كفرة بني إسرائيل (لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) مهما كنا مؤمنين من قبل مطمئنين بسابقة الآيات ، فقد دمج نفسه في متطلبي هذه المائدة ولم يكن ليشك في رسالة نفسه ولا في استطاعة ربه استجابة سؤله ، فهذا أدب أوّل في دعاءه (ع) ، خليصا عما دعوه ليدعوا ، من سوء الأدب وخلط الإرب. وعيد المائدة فيه تجديد حياة الملة وتنشيط نفوس العائدين وذكرى لهم على مر الزمن (لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا).
ثم (وَآيَةً مِنْكَ) هي الأخرى بعد معظم الآيات التي بعثت بها إلى بني إسرائيل ، فكلما كثرت الآيات كثرت الاطمئنانات ، لا لقصور في سابقة الآيات فإنها سابغات ، وإنما لقصور متطلبيها وتقصيرهم ، وليس منهم المسيح نفسه فإن «آية» منكرة ليست إلّا للقاصرين والمقصرين ، دون المسيح الذي هو نفسه آية ومعه كبريات الآيات ، التي هي معرّفة وهذه بجنبها منكّرة.
ومهما كانت تطلّبه آية بعد سائر الآيات تطلبة خواء ، ولكنها حين تتضمن «عيدا» فليس الله منها براء ، ولا سيما إذا كانت هذه الآية رزقا لأبدانهم مع كونها رزقا لأرواحهم في بعدي العيد والآية.
ومن ثم (وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) مما يلمح أنهم كلهم كانوا في حاجة ملمة مدققة إلى أكل لم يجدوه في أرض الله ، فليطلبوه من خير