صحيح أن دعوة
الكافرين مفروضة على المؤمنين ، ولكنها متأخرة عن مسئوليتهم تجاه أنفسهم ، إذا
فالمسئوليات الإيمانية تترتب كالتالية : أن تصنع نفسك بحيث لا يضرك من ضل إذا
اهتديت ، ثم أن تصنع سائر المؤمنين ، ومن ثمّ أن تأمرهم بالمعروف المتروك وتنهاهم
عن المنكر المفعول ، ومن ثمّ تأخذ في دعوة الكافرين مهما كانت بضمن إصلاح المؤمنين
، ولكنها كهامش على التواصي بالحق والتواصي بالصبر بين المؤمنين أنفسهم.
وبصيغة أخرى واجب
غير المؤمن هو الإيمان أوّلا ثم العمل بقضايا الإيمان ومن ثم دعوة الآخرين إلى الايمان
وقضاياه ، وفي حقل الإيمان الأصل هو نفسه تقبلا ودعوة ، ثم العلم بواجبات الإيمان
نفسيا وتعلما ومن ثم العمل بها نفسيا ودعوة.
وبعد خامس أنكم
إذا طبقتم شرائط الإيمان فلستم تعاقبون بضلال الآخرين حيث لا تزر وازرة وزر اخرى :
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ
خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا
يَعْمَلُونَ) (٢ : ١٣٤).
فعلى المؤمن
الإشتغال بصناعة نفسه وخاصته وحفاظتها كما فرضت عليه ، ثم لا يهزهزه الهزاهز ، ولا
يزيله القواصف أو يحركه العواصف ، فلا يزول الحق عن مقره مهما قل أهله بما يجول
الباطل في مقراته وإن كثر أهله ف (لا يَسْتَوِي
الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ
يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٥ : ١٠٠).
وهنا «لا يضرك»
كما هي إخبار كذلك هي إنشاء بصيغة الإخبار ، فلا يغررك تقلب الذين كفروا في البلاد
ولا يضررك فتنقلب على عقبيك خوفة عن العزلة والخطفة كما : (قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ
نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) (٢٨ : ٥٧).