وصول الفرنج الصليبيين
أنطاكية وغيرها من بلاد حلب
للحروب الصليبية أسباب كثيرة وأخبار طوال يضيق كتابنا هذا عن استقصائها. وإنما نأتي منها هنا على ذكر نبذ يسيرة تتعلق بحلب وبعض أعمالها. فعلى من أحب الاطلاع على تفاصيل أخبار تلك الحروب الطاحنة ـ التي استغرق أمدها نحو مائتي سنة ـ أن يرجع إلى الكتب والأسفار المتداولة المؤلفة فيها خاصة بمختلف اللغات ما بين عربي وأعجمي ، فنقول :
في سنة ٤٩١ وصل الإفرنج الصليبيون إلى أنطاكية وحصروها ، وكان بها باغي سيان ، فظهر له شجاعة عجيبة. ثم هجم الإفرنج على أنطاكية وأخذوها عنوة وقتلوا بها مقتلة عظيمة ، وأجفل عنهم باغي في الليل. ثم في الصباح ندم على الهرب وتذكر أهله والمسلمين في أنطاكية ، وغشي عليه من الأسف حتى عجز عن الركوب ، فمر به أرمني يقطع الخشب فقطع رأسه وحمله إلى الإفرنج بأنطاكية. ولما شاع أخذ أنطاكية سار كربغا صاحب الموصل ومعه عساكره إلى مرج دابق ، وجاء دقاق من دمشق وطغتكين أتابك وجناح الدولة صاحب حمص ، وغيرهم من الأمراء والعرب ، وحصروا أنطاكية وتضايق الفرنج حتى طلبوا من كربغا أن يطلقهم فامتنع.
ثم إن كربغا أساء السيرة فيمن معه وخبثت نياتهم ، وكان اشتد الخناق على الفرنج فخرجوا من أنطاكية واستماتوا في قتال المسلمين ، فهرب المسلمون وقوي الفرنج بما غنموه من القوت والسلاح. وفي سنة ٤٩٢ سار الفرنج الصليبيون إلى المعرة وملكوها وقتلوا فيها زهاء مائة ألف وسلبوا وأقاموا فيها أربعين يوما. وفي ذلك يقول بعض المعرّيين :
معرّة الأذكياء قد حردت |
|
عنّا ، وحقّ المليحة الحرد |
في يوم الاثنين كان موعدهم |
|
فما نجا من خميسهم أحد |