يحسب من رؤوس أموالهم عما تلف ، فلله أن يعفو عن عباده ما لهم من حق عمن عليه فيما فيه مصلحة وحكمة ثم يجبر النقص بما يراه لهم يوم القيامة ، تعبيدا لسبيل التوبة وتسهيلا للإنابة ، وكما فعل للذين كفروا (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ).
وفي ذلك أمثال عدة قضية المصلحة الإسلامية كفرض الصدقات والنفقات وفرض تجهيز الميت دونما بديل ، وإصلاح أموال اليتامى حيث يجب الاستعفاف على الغني ، ونصيب من الزكوة للمؤلفة قلوبهم وما أشبه.
فآكل الربا إذا كان مضغوطا عليه بأن يتحمل رد كلما أخذه ، كانت التوبة عبئا عليه ، فإنها انتقاله كقفزه من أكل بالباطل دونما مشقة ، إلى فناء الحياة الاقتصادية مع كل مشقة ، فقوله تعالى «له ما سلف ـ ولكم رؤوس أموالكم» سماح للتائب عن الربا بالنسبة لكل ما سلف وليس عنده أصله ولا بديله ، اللهم إلّا مقابلا له بعضا أو كلا وهو رأس ماله ، فلو لم يعف عن ذلك لكانت حياته موتا ، و (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) تعني وسطا بين الأمرين ، فليس له كل ما أخذ باقيا وسواه ، ولا عليه رده كله باقيا وسواه ، إنما عليه (ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) سلفا وعينا أو بديلا ، ثم «لكم (رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) وذلك وسط بين الأمرين وفيه فرض التنازل لدافع الربا عن بعض ما دفع ، وفرض الرد لآخذ الربا كل ما بقي سلفا أو حاضرا.
وتلك حكمة ربانية تربية للنفوس المؤمنة بتعاون ، وجذبا للمرابين إلى التوبة.
ثم «لكم (رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) ولو لم يكن له مفهوم ، فغير رؤوس أموالكم محرم عليكم ، فإن قضية القاعدة أن ليس لكم شيء إلّا بعد ما استثني ما أخذتم من الربا ، ولكن «لكم (رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) استثناء عما أخذتم ، قدر رؤوس