ومن التجارب المعروضة هنا تجربة الفرار عن الموت ، من ألوف خرجوا من ديارهم حذر الموت دون تعريف لهم ، في عرض خاطف كخطف الحياة والموت :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) ٢٤٣.
أترى (الَّذِينَ خَرَجُوا ...) مثل يمثّل به هنا لموت التأخر عن شؤون الحياة ونشاطاتها ، وحياة التقدم في شئونها ، لأن واقع الموت هنا والحياة بعدها مرة أخرى مما تحيله: (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (٤٤ : ٥٦) و (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) وأحييتنا اثنتين (٤٠ : ١١) ، وقد سميت حياة التقدم في مبتغياتها حياة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) (٨ : ٢٤) ـ «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها» (٦ : ١٢٢)؟ ثم ولا تناسب الموت بالفرار عنه ثم الحياة آية القتال التالية؟.
و (الَّذِينَ خَرَجُوا ...) دون أداة التمثيل كما في سائر الأمثال القرآنية ، لا تناسب المثل! وإتيان الحياة بمعنى نضارتها في مجالات أخرى بقرائنها ، ليس ليختصها بها في هذا المجال دون قرينة! والآيات المستشهد بها لا تحيل موتين وحياتين في الدنيا ، وقد أثبتهما آيات عدة ، وإنما هي عرض كضابطة للحياة الدنيا أنها واحدة يموت الأحياء عنها الى البرزخ ، فهي تقبل الاستثناء وكما استثنيت بآياتنا ونظائرها ك (فَأَماتَهُ اللهُ ... ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ ...)!.
وما تلك الطنطنة الغوغاء إلا من متفرنجين سموا أنفسهم مفسرين ،