وطبيعة الحال في المار فجأة على هكذا قرية ان تسبق بلسانه قولة العجاب ، قضية مشهد البلى والخواء دون ايّ بواء ، وقعا عنيفا في حسه وعقله لحد القول : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها).
ف (أَنَّى يُحْيِي ...) سؤال عن زمن الإحياء دون أصله : هل يحيي ، أم وصله : كيف يحي ، وانما سؤالا عن فصله ، أيان ذلك الإحياء.
ام انه تطلّب لذلك الإحياء كما قال إبراهيم : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) مهما اختلف كيف عن زمان.
فقد التمس لزمن مّا ـ كما يراه الله ـ أن يحيي هذه الله بعد موتها ، ليزداد عين اليقين إلى علم اليقين ، كما تطلّب إبراهيم كيفية الإحياء مزيدا لحق اليقين إلى علمه وعينه.
و «هذه» هنا ليست هي نفس القرية الخاوية ، فان صيغتها الصالحة : أنى يعمر الله هذه القرية بعد خرابها! ثم وليس من المرجو عاديا ولا سواه تعمير القرى الخربة إلا ممن قد يعمرها من أهليها ، ثم ولا صلة ل (فَأَماتَهُ اللهُ ...) بإظهاره القدرة لتعمير خراب القرية ، فانه امر متعوّد لمعمري البلاد الخربة دون حاجة لتصديقه الى خارقة الاماتة والاحياء بعدها!.
كما ليست هي الميتات المقبورة ، إذ ليست هي مما تحير وتعجب المار بها ، بل هي بالية الأجساد ، ونخرة العظام المكشوفة على ارض القرية الخاوية على عروشها ، وهنا ترتبط (فَأَماتَهُ اللهُ ...) بعجاب القرية الخاوية ، ولكي يرى الإحياء بعد الإماتة بأم عينيه.
وقد استجاب له ربه ومزيدا حيث أماته وحماره مثالا ذاتيا له يريه به عين ما سأل في ذاته ومتعلقاته :