ـ نظرا لجرأته وصراحته ـ دفعت به الى الاقامة فيها أثناء خلافة عمر بن الخطاب .
إن من يتتبع سيرة أبي ذر ، يجد أن هذه الشخصية الفريدة ، يكتنف مسارها الغموض والتعتيم من الفترة ما بين خلافة عمر الى خلافة عثمان ، فلا حديث ، ولا رواية ، ولا أي شيء يتعلق به في تلك الفترة ، ! مع كونه من المبرزين الأول في الاسلام ، دينا ، وفضلا ، وعلما ، فهو لم يكن مسلما عاديا يقرن بعامة المسلمين ، بل كان من خيرة خيرتهم ، ممن نوَّه رسول الله ( ص ) بفضلهم ، وممن حازوا قصب السبق في مجالي الدين والعلم ، ويكفي قول رسول الله صلى الله عليه وآله فيه : « ما تقل الغبراء ، ولا تظل الخضراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر ، شبيه عيسى بن مريم . » ١
وحديث علي عليه السلام فيه : « وعاء ملیء علما ، ثم أوكأ عليه . » ٢
إن التعتيم الاعلامي على مسار أبي ذر ( رض ) في تلك الفترة ، ربما لم يكن مقصودا ، ولكنه يؤكد تأكيدا كاملا على أنه كان بعيدا عن مركز الخلافة ، أعني : المدينة المنورة ـ عاصمة العالم الاسلامي ـ آنذاك .
كما أنه لم يكن في تلك الفترة في موطنه الاصلي ، أعني منازل قومه بني غفار ، لأن النصوص لا تشير الى ذلك البتة .
اذن : أين كان أبو ذر في تلك الفترة ؟ .
الشواهد التأريخية كلها ساكتة عن وجوده في أي بلد ، ما عدا الشام .
__________________
(١) المستدرك مع التلخيص م ٣ / ٣٤٢ .
(٢) الغدير ٨ / ٣١١ نقلا عن أسد الغابة ٥ / ١٨٦ وشرح الجامع الصغير ٥ / ٤٢٣ وفي الاصابة / ٤ ص ٦٤ .
* الوكاء ـ ما يشد به الكيس ، والمقصود هنا ربما يكون هو ان علم أبي ذر مما لا يطيقه الناس ولا تتحمله عقولهم فلذلك أخفاه عنهم .