لقد بايع أبو ذر رسول الله ( ص ) ، على ان لا تأخذه في الله لومة لائم ، وعلى أن يقول الحق ، ولو كان مُرَّا ١ .
فالتزم ببيعته . فكان جريئاً في جنب الله آخر عمره ، كما كان في أول أمره .
ولعل أجرأ نداء صريح في مسمع حاكم ظالم ، كان نداء أبي ذر ( رض ) على أبواب الخضراء . . « أتتكم القطار بحمل النار ! اللهم إلعن الآمرين بالمعروف التاركين له . اللهم العن الناهين عن المنكر ، المرتكبين له . » ٢
هذا هو أبو ذر ، صاحب الكلمة الجريئة ، التي لا تعرف المداهنة ، ولا الرياء ولا الوجل .
خاطب معاوية ذات مرة ، مجيباً إياه : « ما أنا بعدو لله ولا لرسوله ، بل أنت وأبوك عدوّان لله ولرسوله ، أظهرتما الاسلام ، وابطنتما الكفر ، ولقد لعنك رسول الله ( ص ) ودعا عليك مرات أن لا تشبع .
فقال معاوية : ما أنا ذاك الرجل .
فقال أبو ذر : بل أنت ذلك الرجل ! أخبرني بذلك رسول الله ( ص ) وسمعته يقول ، وقد مررتَ به : اللهم إلعنه ، ولا تشبعه إلا بالتراب . . » ٣
وخُيِّل لجلاديه الحاكمين ، أن غضبه إنما كان لنفسه . وأنه ربما كان عن فاقة ألمَّت به ، أو مطمع يدفعه الى ذلك . فساوموه رجاء أن يسكت أو يكف ، لكنهم وجدوا خلاف ما كانوا يتوقعون .
__________________
(١) اعيان الشيعة / ١٦ / ٣١٩ نقلا عن أسد الغابة .
(٢) شرح النهج ج ٨ / ٢٥٧ .
(٣) شرح النهج ٨ / ٢٥٧ .