إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ ، وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ ، وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ ، أَيْنَ ما كانُوا) أي ألم تعلم أيها النبي وكل مخاطب أن علم الله واسع شامل محيط بكل شيء في الأرض والسماء ، بحيث لا يخفى عليه شيء مما فيهما ، فما يوجد من تناجي أشخاص ثلاثة أو خمسة إلا هو معهم بعلمه ، ومطلع عليهم يسمع كلامهم وسرهم ونجواهم ، ولا يوجد من نجوى أقل من ذلك العدد أو أكثر منه مهما كان الرقم عشرات ومئات أو ألوفا أو ملايين إلا وهو عليم بهم ، في أي زمان وفي أي مكان ، يعلم السر والجهر ، لا تخفى عليه خافية ، ولا يغيب عنه شيء من تناجيهم في السر والعلن ، لأن علم الله تعالى محيط بكل شيء ، لا يحده زمان ولا يحجبه مكان ، يسمع كلامهم ، ويبصر ويرى مكانهم حيثما كانوا ، وأينما كانوا ، ورسله أيضا مع ذلك تكتب ما يتناجون به ، مع علم الله به ، وسمعه له.
والسبب في ذكر الثلاثة والخمسة وإهمال ذكر الاثنين والأربعة : هو إما تصوير الحالة الواقعية التي نزلت الآية بسببها ، فإنها نزلت في قوم منافقين ، اجتمعوا على التناجي مغايظة للمؤمنين ، وكانوا على هذين العددين. عن ابن عباس : أن ربيعة وحبيبا ابني عمرو وصفوان بن أمية كانوا يوما ما يتحدثون ، فقال أحدهم : أترى أن الله يعلم ما نقول؟ فقال الآخر : يعلم بعضا ولا يعلم بعضا ، وقال الثالث : إن كان يعلم بعضا ، فهو يعلم كله ، فنزلت.
وإما أن طبيعة المشاورة ، تتطلب وجود عدد وتر ، فيكون الاثنان أو الأربعة متنازعين ، والثالث أو الخامس كالمتوسط الحكم بينهم ، فذكر سبحانه الثلاثة والخمسة تنبيها على الأفراد والمجموعات الباقية.
ونظير الآية كثير في القرآن ، نحو قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ، وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [التوبة ٩ / ٧٨] وقوله سبحانه : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ، بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف ٤٣ / ٨٠].