فدم هذا تحذيرا للذين تركوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على المنبر قائما يخطب وذهبوا إلى التجارة ، وشبيه به كل من أعرض عن الخطبة ، وهو يسمعها كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من تكلّم يوم الجمعة ، والإمام يخطب ، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ، والذي يقول له : أنصت ، ليس له جمعة».
ثم ذم الله تعالى اليهود الذين لم يعملوا بالتوراة ذمّا آخر مناسبا للذم الأول ، لأن شأن من لم يعمل بالكتاب أن يحب الحياة ، فقال :
(قُلْ : يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي قل أيها الرسول : أيها اليهود إن كنتم تزعمون أنكم أولياء الله وأحباؤه من دون الناس ، وأنكم على هدى ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم وأصحابه على ضلالة ، فاطلبوا الموت لتصيروا إلى الكرامة في زعمكم ، وادعوا بالموت على الضال من الفئتين ، إن كنتم صادقين في هذا الزعم ، فإن من علم أنه من أهل الجنة أحب الخلوص من هذه الدار.
وقد ذكرت هذه المباهلة (الملاعنة) وتحدي اليهود في قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ ، فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [البقرة ٢ / ٩٤]. كما ذكرت مباهلة النصارى في قوله سبحانه : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ، فَقُلْ : تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ، وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ، وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ، ثُمَّ نَبْتَهِلْ ، فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) [آل عمران ٣ / ٦١]. ومباهلة المشركين في قوله عزوجل : (قُلْ : مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم ١٩ / ٧٥].
أخرج الإمام أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن ابن عباس قال : قال أبو جهل لعنه الله : إن رأيت محمدا عند الكعبة ، لآتينه حتى أطأ على عنقه ،