إن كفار مكة هؤلاء يقولون : ما هي وما العاقبة إلا الموتة الأولى التي نموتها بعد هذه الحياة الدنيوية ، ولا حياة بعدها ، ولا بعث ، وما نحن بمبعوثين.
وهذا إنكار من الله تعالى على المشركين في إنكارهم البعث والمعاد ، وأنه ما ثمّ إلا هذه الحياة الدنيا ، ولا حياة بعد الممات ، ولا بعث ولا نشور ، وهذا كقوله تعالى : (وَقالُوا : إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ، وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) [الأنعام ٦ / ٢٩].
ثم احتجوا بآبائهم الماضين الذين ذهبوا فلم يرجعوا مخاطبين النبي والمؤمنين :
(فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي فإن كان البعث حقا ، فأرجعوا إلينا آباءنا بعد موتهم إلى الدنيا ، إن كنتم صادقين فيما تدعونه من البعث.
يروى أنهم طلبوا من النبي صلىاللهعليهوسلم أن يعجل الله لهم إحياء الموتى ، فينشر كبيرهم قصيّ بن كلاب ليشاوروه في صحة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وصحة البعث ، فلم يجبهم الله إلى ذلك.
وهذه حجة واهية ، فإن المعاد إنما هو يوم القيامة ، لا في الدار الدنيا ، بل بعد انقضائها وذهابها ، يعيد الله العالمين خلقا جديدا.
ثم هددهم تعالى وتوعدهم وأنذرهم بأسه الذي لا يرد ، فقال :
(أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ ، وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، أَهْلَكْناهُمْ ، إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) أي أهم كفار قريش الذين هم عرب من عدنان خير في القوة والمنعة ، أم قوم تبّع الحميري الذين هم عرب من قحطان ، الذين كانوا أقوى جندا وأكثر عددا ، وكان لهم دولة وحضارة عريقة ومجد ، وكذلك الأمم الذين سبقوهم ، كعاد وثمود ونحوهم ، أهلكناهم جميعا لكفرهم وإجرامهم ، فإهلاك من هو دونهم لجرمه وضعفه وعجزه بالأولى ، فهم ليسوا بخير من قوم تبع في العدد والعز والمنعة.