أبو العرب وأشرف آبائهم تبرأ من دين آبائه بالدّليل ، وحكم بأن اتّباع الدّليل أولى من متابعة الآباء ، فوجب تقليده في ترك تقليد الآباء وفي ترجيح الدّليل على التّقليد.
ثم أبان الله تعالى مفاسد اعتماد قريش على التّقليد وترك التّفكر في الحجة والدّليل ، وهي : أولا ـ اغترارهم بالمهلة والمدّ في العمر والنّعمة ، واشتغالهم بالتّنعم واتّباع الشهوات وطاعة الشيطان عن كلمة التوحيد ، وثانيا ـ تكذيبهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووصفهم له بأنه ساحر كذاب ، وثالثا ـ قولهم بأن الرّجل الشريف وهو كثير المال ورفيع الجاه هو الأحقّ بالنّبوة من محمد الفقير اليتيم.
فردّ تعالى عليهم بأنه هو الذي قسم الأرزاق والحظوظ بين عباده ، وأن التّفاوت في شؤون الدنيا هو الأصلح لنظام المجتمع ، وأن ميزان الاصطفاء للنّبوة إنما يعتمد على القيم الأدبية والروحية والأخلاقية ، وألا قيمة للدنيا وأمتعتها وزخارفها وثرواتها ، ولو لا خوف انتشار الكفر وشموله بين العالم ، لجعل الله للكفار ثروات طائلة ، وبيوتا ذات سقف وأبواب وسرر ومصاعد من فضة ، وزينة في كل شيء ، وإنما نعيم الآخرة للمتّقين الذين يتّقون الكفر والمعاصي.
التفسير والبيان :
يخبر الله تعالى عن إبراهيم الخليل إمام الحنفاء وأبي الأنبياء وأشرف آباء العرب عليهالسلام بأنه تبرأ من دين الآباء بالحجة والدليل ، فقال :
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ : إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي ، فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) أي واذكر أيها الرّسول لقومك قريش المعتمدين على تقليد الآباء والأجداد في عبادة الأصنام : حين تبرأ إبراهيم عليهالسلام مما يعبد أبوه آزر ، وقومه من الأصنام ، إلا من عبادة خالقه وخالق الناس جميعا ، والذي قال بأنه سيرشدني لدينه ، كما أرشدني في الماضي ، ويثبتني على الحق. وقوله : (إِلَّا الَّذِي