٧ ـ إن تدبير الله الخفي الذي لا يصلح غيره في أي شيء أشد نفاذا وأنجح خطة من تدبير البشر ، فقد منع موسى الطفل من الارتضاع من قبل مجيء أمه وأخته ، ثم رده إليها ، وفاء بوعده لها ، وكان قد عطف الله قلب العدو عليه ، ولتعلم أن وعد الله حق ، أي لتعلم وقوعه ، فإنها كانت عالمة بأن رده إليها سيكون.
٨ ـ لم يؤت الله النبوة لأحد غير يحيى وعيسى عليهماالسلام قبل بلوغ سن الأربعين الذي تكتمل فيه القوى العقلية والجسمية ، وتحقيق هذا في شأن موسى ، فإنه لما بلغ أشده ، أي غاية نموه ، ونضج وبلغ أربعين سنة آتاه الله النبوة والحكمة قبل النبوة والعلم والفقه في الدين ، يروى أنه لم يبعث نبي إلا على رأس أربعين سنة.
وكما جزى الله موسى على طاعته وصبره على أمر ربه ، وجزى أم موسى لما استسلمت لأمر الله ، وألقت ولدها في البحر ، وصدّقت بوعد الله ، فرد ولدها إليها وهي آمنة ، ووهب له العقل والحكمة والنبوة ، كذلك يجزي كل محسن.
الخلاصة : أن هذا الفصل من قصة موسى عليهالسلام بيان لما أنعم الله عليه في صغره من إنجائه من القتل والغرق في النيل ، وما أنعم عليه في كبره من إيتائه العلم والحكمة والنبوة والرسالة إلى بني إسرائيل والمصريين ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى ، إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى ، أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ، فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ، يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ، وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي ، إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ : هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ ، فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ ..) [طه ٢٠ / ٣٧ ـ ٤٠].