أفعاله وعواقبها المحمودة في الدنيا والآخرة ، فربما كان الأمر كريها إلى النفوس في الظاهر ، محمود العاقبة في الحقيقة ونفس الأمر ، كما قال تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ، وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ، وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) [البقرة ٢ / ٢١٦] وقال تعالى : (فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً ، وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء ٤ / ١٩].
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى ، آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً ، وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي ولما اكتملت قواه الجسدية والعقلية آتيناه الحكمة والعلم وفقه الدين وعلم الشريعة ، ومثل ذلك الذي فعلنا بموسى وأمه نجزي المحسنين على إحسانهم. وقد رجح الرازي أن المراد بالحكم هنا الحكمة والعلم ، لا النبوة (١).
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآيات على ما يأتي :
١ ـ قد يطلق الوحي على الإلهام ؛ لأن الوحي لا يكون إلا لنبي ، وقد أجمع العلماء على أن أم موسى وأم عيسى لم تكن واحدة منهما نبية ، وإنما ذلك من قبيل الإلهام ، كإلهام النحل اتخاذ البيوت.
وقد ألهم الله أم موسى بعد ولادته أن ترضعه ، فإذا خافت عليه من القتل ألقته في البحر ، دون خوف عليه من الغرق ولا حزن على فراقه ، فإن الله تكفل برده إليها وبجعله من الأنبياء المرسلين إلى أهل مصر.
٢ ـ قد يقصد الإنسان شيئا ويحدث شيء آخر ، فإن أهل فرعون التقطوا موسى الصغير ليكون لهم قرّة عين ، فكان عاقبة ذلك أن كان لهم عدوا وحزنا ، ولله في خلقه شؤون.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ / ٢٣٢.