ومنها : أن القرآن هاد من الضلالة إلى الحق والاستقامة والرشاد ، ورحمة لمن صدّق به بما اشتمل عليه من الأدلة العقلية على التوحيد والبعث والنبوة وشرح صفات الله تعالى ونعوت جلاله ، وبما انطوى عليه نظمه من سمو الفصاحة والبلاغة ، حتى عجز البشر عن معارضته ، مما يدل على أنه كلام الله المعجز الدال على صدق الرسالة النبوية.
ثم ذكر الله تعالى دليل عدله ، فهو سبحانه يقضي بين بني إسرائيل وغيرهم فيما اختلفوا فيه في الآخرة ، فيجازي المحق والمبطل ، وهو العزيز أي المنيع الغالب الذي لا يردّ أمره ، العليم الذي لا يخفى عليه شيء.
ثم أمر الله تعالى نبيه بالتوكل على الله ، أي تفويض أمره إليه واعتماده عليه ، فإنه ناصره ، لأنه على الحق المبين ، أي الظاهر ، ولأن هؤلاء الكفار أشبه بالموتى لتركهم التدبر ، فلا حسّ لهم ولا عقل ، وبمنزلة الصم عن قبول المواعظ ، فإذا دعوا إلى الخير أعرضوا وولّوا كأنهم لا يسمعون ، وكالعميان الذين لا يميزون طريقهم ، فهم تائهون حائرون ، كما قال سبحانه : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ، فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [البقرة ٢ / ١٧١].
ثم ذكر الله تعالى قاعدة عامة في مسيرة الدعوة للنبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) أي ليس في وسعك خلق الإيمان في قلوبهم ، وما تسمع إلا المستعد لقبول الحق ، المهيأ للإيمان بآيات الله ، المخلوق للسعادة ، فهم مخلصون في التوحيد. أما الكافر المعاند المعرض عن آيات ربه فلا أمل في إيمانه ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) [يونس ١٠ / ٩٦ ـ ٩٨].