والمراد من نفي الإسماع للموتى الإسماع الذي يمكن أن يعقبه إجابة وتفاعل وتفاهم ، فلا يعارضه ثبوت السماع من جانبهم دون أن يتمكنوا من الرد أو إجابة من يكلمهم ، كما ثبت أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه ، وأنه صلىاللهعليهوسلم سلّم على قبور أهل بدر ، وكما ثبت في صحيح البخاري ومسلم «أنه صلىاللهعليهوسلم خاطب القتلى في قليب (بئر) بدر ، فقيل له : يا رسول الله ، إنما تكلّم أجسادا لا أرواح لها ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم».
ثم أكد الله تعالى ما سبق فقال :
(وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ ، إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) أي وما أنت أيها الرسول بمستطيع أن تهدي العمي عن ضلالتهم ، أي تردهم عن الضلال بالهدى ؛ لأن على أبصارهم غشاوة تمنعهم عن النظر فيما أتيت به نظرا مؤديا إلى الحق ، وما يجدي إسماعك إلا الذين علم الله أنهم يؤمنون بآياته ، أي يصدقون بها ، فهم مسلمون مخلصون التوحيد لله ، خاضعون لله ، ولا يستجيب لك إلا من هو مبصر القلب ، يستخدم سمعه وبصره في إدراك الأمور على وجهها الصحيح ، مستعد لقبول الحق ، فهذا هو المسلم الذي أسلم وجهه لله ، يعني جعله سالما لله تعالى خالصا له.
فقه الحياة أو الأحكام :
يثبت الله تعالى بهذه الآيات صدق النبوة وصحة رسالة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وذلك بالقرآن الذي أنزله على قلب نبيه ، مشتملا على وجوه عديدة من الإعجاز.
منها : أنه يبين لبني إسرائيل الموجودين حال نزوله ما اختلفوا فيه ، لو أخذوا به ، وذلك ما حرّفوه من التوراة والإنجيل ، وما سقط من كتبهم من الأحكام.