العلم الفكري الحاصل بالتفكير والطلب ، أي سيّروا فكركم في الأرض ، وأجيلوا ذهنكم في الحوادث الخارجة عن أنفسكم ، لتعلموا بدء الخلق.
ثم ذكر الله تعالى ما يكون بعد الإعادة فقال :
(يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ ، وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) أي إن الله هو الحاكم المتصرف يعذب من يشاء منكم من الكفار والعصاة ، ويرحم من يشاء من عباده فضلا منه ورحمة ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، لا معقّب لحكمه ، ولا يسأل عما يفعل ، فله الخلق والأمر ، وإليه تردون يوم القيامة بعد الموت مهما طال الأمد ، فيحاسب الخلائق على ما قدموا ، وحسابه حق وعدل ؛ لأنه المالك الذي لا يظلم مثقال ذرة ، كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السّنن : «إن الله لو عذّب أهل سماواته ، وأهل أرضه ، لعذبهم وهو غير ظالم لهم». وتقديم التعذيب في البيان على الرحمة ، مع أن الرحمة سابقة كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة : «سبقت رحمتي غضبي» لأنه ذكر الكفار أولا ، ولمناسبته التهديد السابق بقوله : (وَإِنْ تُكَذِّبُوا ..). وإعادة (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) بعد قوله : (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) للدلالة على أن التعذيب والرحمة وإن تأخرا ، فلا بدّ من حصولهما ، فإن إليه الإياب وعليه الحساب ، وعنده يدخر الثواب والعقاب.
(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ ، وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي وما أنتم أيها البشر بجاعلين الله عاجزا عن إدراككم في أرضه وسمائه ، فلا يعجزه أحد من أهل السموات والأرض ، ولا يقدر على الهرب من قضائه ، بل هو القاهر فوق عباده ، وليس لكم من غير الله ولي يلي أموركم ويحفظكم ويرعاكم ، ولا معين ناصر ينصركم ويمنعكم من عذابه إن عذبكم.
وبعد الإفاضة في بيان هذه الأدلة على المعاد ، والقدرة الإلهية الفائقة التصور ، والتوحيد ، هدد كل مخالف وتوعد كل كافر ، فقال :