(فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ ، وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي فاطلبوا الرزق من عند الله ، لا من عند غيره من الأوثان ونحوها ، فإن غيره لا يملك شيئا ، تدركوا ما تطلبون ، فكلوا من رزق الله ، واعبدوه وحده ، واشكروا له على ما أنعم به عليكم من مزيد الفضل ، واستعدوا للقائه ، فإليه ترجعون يوم القيامة ، وتسألون عما أنتم عليه من عبادة غيره ، ويجازي كل عامل بعمله.
ثم أقام إبراهيم دليلا على الرسالة ، فقال :
(وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ، وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي وإن تكذبوني في رسالتي ، فلا تضروني أبدا ، فإن الأمم السابقة كذبوا رسلهم ، ولكن بلغكم ما حلّ بهم من العذاب والنكال في مخالفة الرسل ، فأضروا أنفسهم بذلك ، وما المطلوب الواجب على الرسول إلا أن يبلغكم ما أمره الله تعالى به من الرسالة ، فاحرصوا لأنفسكم أن تكونوا من السعداء ، وعلى الله الحساب.
فقوله : (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) معناه : لا واجب عليه إلا التبليغ ، وهو ذكر المسائل والأوامر المنزلة من عند الله ، والإبانة : وهي إقامة البرهان على ما جاء به.
وبعد بيان الأصل الأول والاستدلال عليه وهو التوحيد ، والإشارة إلى الأصل الثاني وهو الرسالة ، شرع في بيان الأصل الثالث وهو الحشر أو البعث والنشور ، وهذه الأصول الثلاثة متلازمة لا يكاد ينفصل ذكر بعضها عن بعض في البيان الإلهي ، فقال :
(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ، إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي أولم يشاهدوا كيفية بدء الخلق؟ فإن الله خلق أنفسهم بعد أن لم يكونوا شيئا