الساعة ، كما قال تعالى : (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) [الأعراف ٧ / ١٨٧] أي ثقل علمها على أهل السموات والأرض ، فلا يشعر الكفار وغيرهم في أي وقت يكون البعث للحساب والجزاء ، وإنما تأتيهم الساعة فجأة.
ثم أكد الله تعالى جهلهم بيوم القيامة فقال :
(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) أي بل انتهى علمهم بالآخرة ، وعجز عن معرفة وقت حدوثها ، والمراد : أن ما توصلوا إليه من أدلة إثبات الآخرة تلاشى شيئا فشيئا ، حتى لم يعد لها قيمة ذات بال.
ثم وصفهم بالحيرة في الآخرة فقال :
(بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها) أي بل الكافرون (أي جنسهم) في حيرة شديدة من تحقق الآخرة ووجودها ، أي شاكون في وجودها ووقوعها ، كما قال تعالى : (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا ، لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) [الكهف ١٨ / ٤٨] أي أن لن نجعل للكافرين منكم :
ثم وصفهم الله بالتعامي عن التفكر والتدبر في أمر الآخرة ، فقال :
(بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) أي بل هم في عماية وجهل كبير في أمرها وشأنها ، لا يفكرون فيها في أعماق نفوسهم ، فهم عمي البصيرة لا البصر ، وهذا أسوأ حالا من الشك.
قال أبو حيان : هذه الإضرابات الثلاثة ما هي إلا تنزيل لأحوالهم ، وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة ، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه ، والإزالة مستطاعة ، وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه ، فلذلك عدّاه بمن دون «عن» (١).
__________________
(١) التفسير الكبير : ٧ / ٩٣.