ويلاحظ أنه تعالى قال في حق المؤمنين : (الَّذِينَ صَدَقُوا) بصيغة الفعل ، أي وجد منهم الصدق ، وقال في حق الكافرين : (الْكاذِبِينَ) بصيغة اسم الفاعل الدالة على الثبات والدوام. هذا فضلا عن أن الاختلاف في اللفظ أدل على الفصاحة.
وقد ورد في السنة الصحيحة أخبار ونماذج من تعذيب المؤمنين قبل الإسلام ، روى البخاري وأبو داود والنسائي عن خبّاب بن الأرتّ قال : «شكونا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو متوسّد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا له : ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال :
قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل ، فيحفر له في الأرض ، فيجعل فيها ، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه ، فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد لحمه وعظمه ، فما يصرفه ذلك عن دينه ، والله ليتمّنّ هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله ، والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون».
وروى ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري قال : «دخلت على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو يوعك ، فوضعت يدي عليه ، فوجدت حرّه بين يدي فوق اللحاف ، فقلت : يا رسول الله ما أشدّها عليك!! قال : إنا كذلك يضعّف لنا البلاء ، ويضعّف لنا الأجر ، قلت : يا رسول الله ، أي الناس أشد بلاء؟ قال : الأنبياء ، قلت : ثم من؟ قال : ثم الصالحون أن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يحوبها (١) ، وأن كان أحدهم ليفرح بالبلاء ، كما يفرح أحدكم بالرخاء».
والخلاصة : أن الحياة ميدان كفاح وجهاد وشقاء وعناء ، وكلما عظمت
__________________
(١) وفي الجامع الصغير للسيوطي : «يجوبها» أي يخرقها ويقطعها ، وهو أولى.