قريش يعذبونهم على الإسلام ويؤذونهم بأشد أنواع الإيذاء ، كعمار بن ياسر وأمه سميّة وأبوه ياسر ، وعيّاش بن أبي ربيعة ، والوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام.
ويظهر أن التعرض للأذى باق في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ما دام هناك إسلام يمثل جوهر الحق ، وعقيدة صحيحة تتحدى تيارات الإلحاد والكفر والعلمانية وأوضار الوثنية في كل أنحاء الأرض ، وما دام قرآن مجيد يحافظ على وجود المسلمين ، ويتلى في كل مكان. ولن تفلح قوى الشر في إخفات صوت الإسلام ، ودفن صرح التدين ، وتصفية جند الإيمان بالله عزوجل ، قال ابن عطية : وهذه الآية ، وإن كانت نزلت بهذا السبب أو ما في معناه من الأقوال ، فهي باقية في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، موجود حكمها بقية الدهر ؛ لأن الفتنة من الله تعالى باقية في ثغور المسلمين بالأسر ونكاية العدو وغير ذلك.
وليس الافتتان والإيذاء بدعا بين المسلمين ، وإنما هو سنة الله الدائمة في خلقه في الماضي والحاضر والمستقبل ، لذا قال تعالى تسلية لهم : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ، وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) أي وتالله لقد امتحنا واختبرنا المؤمنين السابقين ، بل والأنبياء القدامى بأنواع عديدة من الشدة والمشقة والضرر ، كما قال تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ، فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا ، وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران ٣ / ١٤٦].
والهدف من الاختبار أن يعلم الله علم ظهور وانكشاف ، أي يظهر الذين صدقوا في دعوى الإيمان ، ممن هو كاذب في قوله ودعواه ، وسيجازي كل واحد بما قدّم. والله يعلم سلفا ما كان وما يكون وما لم يكن ، ولو كان كيف يكون ، بإجماع أهل السنة والجماعة ، لذا قال ابن عباس في مثل قوله تعالى : (إِلَّا لِنَعْلَمَ) : إلا لنرى ؛ لأن الرؤية تتعلق بالموجود ، والعلم أعم من الرؤية ، فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود.