التفسير والبيان :
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) أي فخرج قارون يوما على قومه في زينة عظيمة وتجمل باهر ، من مراكب وملابس عليه وعلى حاشيته ، بقصد التعالي على الناس ، وإظهار العظمة والأبهة. قال الرازي : وليس في القرآن إلا هذا القدر (١) ، يعني أن وصف الزينة كما يذكر بعض المفسرين لا دليل عليه.
(قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا : يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ ، إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) أي فلما خرج في مظاهر الأبهة كان طبيعيا أن يفتتن بعض الناس به ، وهم السذّج والجهال الذين يريدون الحياة الدنيا ، ويميلون إلى زخارفها وزينتها ، فتمنوا أن لو كان لهم مثل ما أعطي ، وقالوا : يا ليت لنا من الأموال والثروات والأوضاع ما لقارون ، لنتمتع بها مثله ، فإنه ذو نصيب وافر من الدنيا. وهذه نزعة جبلّيّة في الإنسان ، فهو دائما يطمع في السعة واليسار : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات ١٠٠ / ٨].
وفي مقابلة هذا الفريق يوجد فريق آخر هم أهل الحكمة والعلم وبعد النظر : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ : وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ، وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ) أي وقال علماء الدين وأهل العلم النافع : ويلكم أي انزجروا وارتدعوا عن هذه التمنيات والأقوال ، فإن جزاء الله ومثوبته لعباده المؤمنين الصالحين في الدار الآخرة خير مما ترون وما تتمنون ، ولكن لا يتلقى الجنة أو المثوبة ولا يوفق لها إلا الصابرون على الطاعات وعن المعاصي ، الراغبون في الدار الآخرة ، الراضون بقضاء الله في كل ما قسم من المنافع والمضار ، المترفعون عن محبة الدنيا ، وذلك كما جاء في الحديث الصحيح : «يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ،
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٥ / ١٧.