فأجابه الله بقوله :
(أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً ، وَأَكْثَرُ جَمْعاً ، وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) أي أولم يدر في جملة ما عنده من الدراية والعلم حتى لا يغترّ بكثرة ماله وقوته أنه قد كان من هو أكثر منه مالا ، وما كان ذلك منا عن محبة له ، أو أنه أهل له ، وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم ، ولا يسأل المجرمون عن كثرة ذنوبهم ، أي إذا عاقب الله تعالى المجرمين فلا حاجة به إلى أن يسألهم عن أنواع ذنوبهم ومقدارها ؛ لأنه تعالى عالم بكل المعلومات ، فلا حاجة به إلى السؤال. فالمراد بذلك سؤال الاستفسار والاستعلام ، كقوله تعالى : (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وسؤال الاستعتاب ، كما قال تعالى : (ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ، وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) [النحل ١٦ / ٨٤]. (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات ٧٧ / ٢٥ ـ ٢٦].
ونظير الآية : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن ٥٥ / ٣٩].
ولا يتنافى هذا مع سؤالهم في وقت آخر سؤال توبيخ وإهانة ، كما في قوله سبحانه : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر ١٥ / ٩٢ ـ ٩٣].
فقه الحياة أو الأحكام :
يفهم من الآيات ما يأتي :
١ ـ البغي مرتعه وخيم ، والظلم مؤذن بخراب العمران والديار.
٢ ـ إن كثرة المال محنة وبلاء ، وسبب للطغيان والفساد.
٣ ـ الجاهل الذي لا علم لديه ، أو علمه ناقص هو الذي يغترّ بماله ، ويبطر