(ما) نافية على الصحيح كما نقل عن ابن عباس وغيره ، ولأن المقام في بيان انفراده تعالى بالخلق والتقدير والاختيار ، وأنه لا نظير له في ذلك ، ولهذا نزّه تعالى نفسه في منازعة أحد في سلطانه ، فقال : (سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي تنزيها لله وتقديسا وتعاليا عن إشراك المشركين ، وعن أن ينازعه أحد في اختياره وخلقه من الأصنام والأنداد التي لا تخلق ولا تختار شيئا.
والمقصود أن يعلم أن الخلق والاختيار والإعزاز والإذلال مفوض إلى الله تعالى ، ليس لأحد فيه شركة ومنازعة.
ثم بيّن الله تعالى كون اختياره مبنيا على علم ثابت صحيح فقال :
(وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) أي وربك أيها العبد المخلوق يعلم ما تخفيه صدورهم وما تنطوي عليه ضمائرهم وسرائرهم من الكيد لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وعداوته ، كما يعلم ما تبديه الظواهر من سائر الخلائق ، كما قال : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ، وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ ، وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) [الرعد ١٣ / ١٠].
وهذا العلم الشامل المطلق صادر ممن له خصائص الألوهية وكونه الإله الفرد الصمد ، فقال :
(وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي هو المنفرد بالألوهية ، فلا معبود سواه ، كما لا رب يخلق ما يشاء ويختار غيره ، فهو العليم بكل شيء القادر على كل شيء.
وفيه تنبيه على كونه قادرا على كل الممكنات ، عالما بكل المعلومات ، منزها عن النقائص والآفات ، لذا كان هو المستحق للحمد والشكر كما قال :
(لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) أي إنه تعالى وحده المستحق للحمد والشكر ، والعبادة ، المحمود في جميع ما يفعله في الدنيا والآخرة ؛ لأنه بعدله وحكمته يمنح النعم ويفيض الخير على مخلوقاته.