يجلس معهم وحده ، من غير وجود أصحابه الفقراء أو الضعفاء ، كبلال ، وعمار ، وصهيب ، وخبّاب ، وابن مسعود ، وليفردوهم في مجلس على حدة ، فنهاه الله عن ذلك ، وأمره أن يصبر ويثبّت نفسه في الجلوس مع هؤلاء ، ونظير الآية قوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ ، يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الأنعام ٦ / ٥٢]. وهذا شبيه بقول قوم نوح عليهالسلام : (أَنُؤْمِنُ لَكَ ، وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [الشعراء ٢٦ / ١١١].
وأكد تعالى الأمر السابق بقوله : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ ..) أي ولا تجاوز بصرك ونفسك إلى غيرهم ، فتطلب بدلهم أصحاب الثروة والنفوذ ، والمقصود النهي عن احتقارهم لسوء حالهم وفقرهم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما نزلت هذه الآية : «الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معه».
ثم أكد تعالى هذا النهي بقوله : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا ..) أي وإياك أن تطيع من وجدناه غافلا ، وشغل عن الدين وعبادة ربّه بالدنيا ، وكان مسرفا مفرطا في أعماله وأفعاله غاية الإسراف والتفريط ، متبعا شهواته. وهو دليل على أن سبب البعد عنهم؟؟؟؟ لهم عن اتباع أمر الله بمفاتن الدنيا وزينتها.
والتوجيه الثالث : إعلان مجيء الحق واضحا ظاهرا من الله تعالى ، بحيث لم يبق إلا التهديد والوعيد الشديد على كفرهم فقال : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ..) أي قل يا محمد للناس : هذا الذي جئتكم به من ربكم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك ، وهو النظام الأصلح للحياة ، فمن شاء آمن به ، ومن شاء كفر به ، فأنا في غنى عنكم ، ومن عمل صالحا فلنفسه ، ومن أساء فعليها ، ثم يحاسبكم ربكم على أعمالكم. وفي هذا تهديد ووعيد شديد.
ثم ذكر الله تعالى نوع الوعيد على الكفر ، والوعد على العمل الصالح ، فقال