بآيات الله كالمشركين ، فلم يبق معهم إلا التهديد والوعيد ، وإهمال هؤلاء المعطلين عقولهم ، وتركهم يعملون على شاكلتهم من الهدى والضلال وما هو الأولى بالصواب في اعتقادهم. والله تعالى أعلم بالمؤمن والكافر وما سيحصل من كل واحد منهم. قال أبو بكر الصديق رضياللهعنه : قرأت القرآن من أوله إلى آخره ، فلم أر فيه آية أرجى وأحسن من قوله تبارك وتعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) فإنه لا يشاكل بالعبد إلا العصيان ، ولا يشاكل بالرب إلا الغفران.
١٢ ـ سأل المشركون عن الروح الذي هو سبب الحياة ، فأجابهم القرآن جوابا مبهما يدل على أن خلق الروح من الله ، وهو أمر عظيم وشأن كبير من أمر الله تعالى ، تاركا تفصيله ، ليعرف الإنسان يقينا عجزه عن علم حقيقة نفسه ، مع العلم بوجودها ، وإذا كان الإنسان في معرفة نفسه جاهلا حقيقتها ، كان عجزه عن إدراك حقيقة الحق أولى ، وحكمة ذلك تعجيز العقل عن إدراك ومعرفة مخلوق مجاور له ، للدلالة على أنه عن إدراك خالقه أعجز ، وبذلك ثبت أن أكثر الماهيات والحقائق مجهولة للإنسان ، ولكن لا يلزم من كونها مجهولة نفيها.
وأما حقيقة الروح فللعلماء فيها قولان :
القول الأول للرازي وابن القيم في كتاب الروح : إن الروح جوهر بسيط مجرد ، وجسم نوراني مخالف بطبعه للجسم المحسوس ، سار فيه سريان الماء في الورد ، لا يحدث إلا بمحدث ، وهو قوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ).
والقول الثاني للغزالي وأبي القاسم الراغب الأصفهاني : الروح ليس بجسم ولا جسماني ، متعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف.
١٣ ـ لم يؤت العالم كله من العلم إلا القليل ، ويظل الكثير مختصا بعلم الله تعالى ، قال القرطبي : والصحيح أن المراد بالخطاب في قوله تعالى :