وأرميه بذنب هو منه بريء ، ثم اعتذرت عمّا وقعت فيه مما يقع فيه البشر من الشّهوات بقولها : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) ، والنّفوس مائلة إلى الشّهوات ، أمّارة بالسّوء (١). وكذلك قال ابن كثير : هذا القول أقوى وأظهر : لأن سياق الكلام كله من امرأة العزيز بحضرة الملك ، ولم يكن يوسف عليهالسلام عندهم ، بل بعد ذلك أحضره الملك (٢).
التفسير والبيان :
قالت امرأة العزيز : الآن حصحص الحقّ ، وليعلم يوسف أنّي لم أخنه في غيبته ، وهو سجين ، أو ليعلم زوجي أني لم أخنه بيوسف ، وأني لم أرتكب الفاحشة ، فلم يحدث مني إلا مجرد المراودة أو المغازلة ، فامتنع وأبى ولاذ بالفرار ، ولا أنزّه نفسي من الزّلل والخطأ ، إن النّفوس ميّالة بالطّبع إلى الشّهوات والأهواء.
إلا من رحمهالله الخالق ، فصرف عنه السّوء والفحشاء كيوسف وأمثاله.
ولكني لا أيأس من رحمة الله ، إنّ ربّي كثير المغفرة ، رحيم بالعباد.
وفي قول مرجوح : إن هذه الآية حكاية لقول يوسف ، بمعنى : ليعلم العزيز أني لم أخنه في زوجه أثناء غيبته ، وحال ثقته بي ، وائتمانه على عرضه ، وما أبرئ نفسي البشريّة من خواطر القلب ، فكلّ نفس ميّالة بالطّبع للشّهوات والأهواء ، إلا النّفس التي عصمها الله من الانزلاق في المعاصي ، ووفقها للاستقامة ، وتلك هي نفس الأنبياء ، وسيرة الصّلحاء ، إنّ ربّي غفّار لذنوب المخطئين ، رحيم بهم إذا بادروا إلى التّوبة والإنابة والتّضرّع إلى الله ، ليخلصهم من آثار الذّنوب ، ويطهّر نفوسهم من شوائب المعاصي.
__________________
(١) البحر المحيط : ٥ / ٣١٧
(٢) تفسير ابن كثير : ٢ / ٤٨٢