داع أن يدعو لنفسه ولوالديه ولذريته. وقد استجاب الله دعاه في بعض ذريته دون بعض. وكان هذا الدعاء حين ترك هاجر وابنه إسماعيل ، وهو رضيع ، في مكة ، قبل بناء البيت الحرام.
ثم ذكر أنه افتتن بعبادة الأصنام كثير من الناس فقال : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ ..) أي يا رب إن الأصنام كانت سببا في ضلال كثير من الناس عن طريق الهدى والحق ، حتى عبدوهن. وقد أضيف الإضلال إلى الأصنام ؛ لأنها كانت سببا في الضلال عند عبادتها ، وذلك بطريق المجاز ، فإن الأصنام جمادات لا تفعل.
(فَمَنْ تَبِعَنِي ..) أي فمن صدقني في ديني واعتقادي ، وسار على منهجي في الإيمان بك وبتوحيدك الخالص ، فإنه مني ، أي على سنتي وطريقتي ، مثل «من غشنا فليس منا» أي ليس على سنتنا ، ومن عصاني فلم يقبل ما دعوته إليه من التوحيد لك وعدم الشرك بك ، فإنك قادر على أن تغفر له وترحمه بالتوبة.
وهذا صريح في طلب المغفرة والرحمة لأولئك العصاة غير الكفار ؛ لأنه عليهالسلام تبرأ في مقدمة هذه الآية عن الكفار بقوله : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) ، ولأنه أيضا بقوله : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) يدل بمفهومه على أن من لم يتبعه على دينه ، فإنه ليس منه ، ولا يهتم بإصلاح شؤونه ، ولأن الأمة مجمعة على أن الشفاعة في إسقاط عقاب الكفر غير جائزة ، فكان قوله : (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) شفاعة في العصاة غير الكفار.
عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلا قول إبراهيم عليهالسلام : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ..) الآية ، وقول عيسى عليهالسلام : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) الآية ، ثم رفع يديه ، ثم قال : «اللهم أمتي ، اللهم أمتي ، اللهم أمتي» وبكى ، فقال الله تعالى : اذهب يا جبريل إلى محمد ، وربك