جَمِيعاً) أي لله القدرة على كل شيء ، لا لغيره ، فلا يؤمن إلا من شاء إيمانه دون غيره ، إن أوتوا ما اقترحوا ، وهو إضراب عما تضمنته (لَوْ) من معنى النفي ، أي بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات ، إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك ، لعلمه بأن قلوبهم لا تلين له.
(يَيْأَسِ) المراد يعلم ، وهو لغة هوازن ، وهو رأي الأكثر ، وقيل : هو يأس على الحقيقة ، أي أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمانهم ، مع ما رأوا من أحوالهم ، علما منهم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا.
(أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَنَ) : مخففة من الثقيلة ، أي أنه لو شاء الله لهدى الناس جميعا إلى الإيمان من غير آية ، ومعناه : نفي هدى بعض الناس ، لعدم تعلق المشيئة باهتدائهم (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (بِما صَنَعُوا) بصنعهم أي كفرهم (قارِعَةٌ) داهية تقرعهم بصنوف البلاء من القتل والأسر والحرب والجدب ، وتفزعهم وتقلقهم (أَوْ تَحُلُ) أي القارعة ، ويجوز أن يكون الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام ، فإنه حل بجيشه قريبا من دارهم عام الحديبية ، أو إنه حل مكة (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) بالنصر عليهم ، أو الموت أو القيامة أو فتح مكة (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) لامتناع الكذب في كلامه ، وقد حل بالحديبية حتى أتى فتح مكة.
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ ..) أي كما استهزئ بك ، وهذه تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم (فَأَمْلَيْتُ) أمهلت مدة طويلة (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بالعقوبة ، أي هو واقع موقعه ، فكذلك أفعل بمن استهزأ بك. وهذه تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم (قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ) رقيب وحافظ عليها (بِما كَسَبَتْ) بما عملت من خير وشر ، وهو الله ، كمن ليس كذلك من الأصنام ، لا (قُلْ : سَمُّوهُمْ) له من هم ، أي صفوهم فانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ) بل تخبرون الله (بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) أي بشريك ، والاستفهام إنكار ، أي لا شريك له ، إذ لو كان لعلمه (أَمْ) بل تسمونهم شركاء (بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) بظن باطل لا حقيقة له في الواقع (مَكْرُهُمْ) كفرهم (عَنِ السَّبِيلِ) طريق الهدى (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بالقتل والأسر (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) أشد وأنكى منه (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ) من عذابه (مِنْ واقٍ) مانع أو حافظ.
سبب النزول :
نزول الآية (٣١):
(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) : أخرج الطبراني وغيره عن ابن عباس ، قال : قالوا للنبيصلىاللهعليهوسلم : إن كان كما تقول ، فأرنا أشياخنا الأول ، نكلمهم من الموتى ، وافسح لنا هذه الجبال ـ جبال مكة التي قد ضمتنا ، فنزلت : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ)