خُسْراناً مُبِيناً ، يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) [النساء ٤ / ١١٧ ـ ١٢٠].
ومعنى الآية : وجعل مشركو العرب شركاء من عالم الجن أطاعوهم فيما يأمرونهم به ، والجن : هم الملائكة فقد عبدوهم ، كما قال قتادة ، أو الشياطين فقد أطاعوهم في الشرك والمعصية ، كما قال الحسن البصري. وقال المجوس : إن للخير إلها وللشر إلها وهو إبليس ، أي أنهم سموه ربا.
جعلوا لله الجن شركاء له حيث أطاعوهم في عبادة الأوثان ، والحال أنه خلقهم أي خلق المشركين وغيرهم ، فهو الخالق وحده لا شريك له ، فكيف يكون المخلوقون شركاءه ، وكيف يعبدون معه غيره؟ كقول إبراهيم : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ ، وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات ٣٧ / ٩٥ ـ ٩٦].
وخلاصة المعنى : أنه تعالى هو المستقل بالخلق وحده ، فلهذا يجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له.
واختلقوا لله بجهلهم وحمقهم بنين وبنات ، والمراد بقوله (بِغَيْرِ عِلْمٍ) : أنهم لا يعلمون حقيقة ما يقولون ، ولكن جهلا بالله وبعظمته ، فإن مشركي العرب سموا الملائكة بنات الله ، وقالت اليهود : عزيز ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله.
(سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) أي تقدس وتنزه وتعاظم الله عما يصفه هؤلاء الجهلة الضالون من الأولاد والأنداد والشركاء ؛ لأنه الخالق المدبر لها ، وليس كمثله شيء.
والله مبدع السموات والأرض وخالقهما ومنشئهما ومحدثهما على غير مثال سبق ، وكيف يكون له ولد ، والحال أنه لم تكن له صاحبة؟ والولد إنما يكون متولدا بين شيئين متناسبين ، والله تعالى لا يناسبه ولا يشابهه شيء من خلقه ؛