وجعله سببا للإنبات ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ..) أي أن الله هو الذي أنزل بقدرته وتصريفه وحكمته من السحاب ماء بقدر ، مباركا ، ورزقا للعباد ، وإحياء وإغاثة للخلائق ، رحمة من الله بخلقه ، فأخرجنا بسبب هذا المطر أصناف النبات المختلف في شكله وخواصه وآثاره ، كما قال تعالى : (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ ، وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) [الرعد ١٣ / ٤] وقال : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء ٢١ / ٣٠].
وأخرجنا بالمطر زرعا وشجرا أخضر ، ثم بعد ذلك نخلق فيه الحب والثمر ، لهذا قال تعالى : (نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً) أي يركب بعضه بعضا كالسنابل ونحوها. وهذا بيان لنوع من النبات لا ساق له ، ثم عطف عليه ماله ساق من الشجر فقال : (وَمِنَ النَّخْلِ ..)
أي ونخرج من طلع النخل عراجين أو عناقيد قريبة التناول ، ونخرج أيضا من ذلك الخضر جنات من أعناب.
وأخص من نبات كل شيء بعد التمر والعنب غيرهما من الفواكه والثمار ، وهو الزيتون والرمان ، متشابها في الورق والشكل ، قريبا بعضه من بعض ، ومتخالفا في الثمار شكلا وطعما وطبعا ، فمنها الحلو ومنها الحامض ، ومنها المز ، وكل ذلك دليل على قدرة الصانع.
انظروا نظرة اعتبار وإمعان إلى ثمر الشجر والنبات إذا أثمر كيف يكون ، وإلى نضجه واكتماله كيف يصير ، ويتحول من جفاف إلى ممتلئ ماء وخيرا وبركة ، لكل ثمر طعم ، وحجم ، ولون ، وقارنوا بين الثمار ، وفكروا في قدرة الخالق من العدم إلى الوجود ، بعد أن كان حطبا يابسا ، صار غضا طريا رطبا ، وغير ذلك من الألوان والأشكال والطعوم والروائح ، كقوله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ ، وَزَرْعٌ ، وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ