(ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) أي الجميع حاصل بتقدير العزيز الذي لا يمانع ولا يخالف ، الغالب على أمره ، العليم بكل شيء ، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، والمقدّر له بموجب الحكمة : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر ٥٤ / ٤٩]. ويلاحظ أن الله تعالى يذكر كثيرا خلق الليل والنهار والشمس والقمر ، ثم يختم الكلام بالعزة والعلم.
ثم أوضح تعالى فائدة النجوم ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ ..) أي أوجد النجوم وهي ما عدا الشمس والقمر من النّيرات للاهتداء بها في الأسفار ، فيستدل بها الإنسان على الطرق ، ويأمن من الضياع ، وينجو من الخطأ والحيرة. والنجوم كما يذكر الفلكيون تعد بالملايين ، وما اكتشف منها أقل بكثير مما لم يكتشف.
ونظرا لما في عالم السماء من العظمة والدقة في النظام وإبداع الصنع ، ختم الله تعالى الآية بقوله : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي بينا لكم الآيات القرآنية والآيات التكوينية لأهل العلم والنظر الذين يدركون سر عظمة هذه الآيات ، ويستدلون بها على وجود الله وقدرته ووحدانيته وعلمه ، فإن كان المراد بالآيات آيات التنزيل فالمعنى أن هذه الآيات وأمثالها نوضحها لأهل الفكر والعلم والنظر ، فيزدادون بها بحثا وعلما وإيمانا. وإن كان المراد بها آيات التكوين ، فالمعنى أن هذه الآيات يبينها الله ليستدل بها العلماء على عظمة الله تعالى ، ولا يدرك سر هذه الآيات غير العلماء كما قال تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) [الحشر ٥٩ / ٢].
وبعد بيان آيات الله في الأرض والسماء ، ذكر تعالى آياته في الأنفس ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ ...) أي أن الله تعالى خلقكم في الأصل من نفس واحدة هي آدمعليهالسلام وهو الإنسان الأول الذي تناسل منه سائر البشر